في حوار سابق لابن سلمان مع مجلة “ذا اتلانتك” الأمريكية، قال “إننا لا نحاول أن نكون مثل دبي أو أمريكا، بل نسعى إلى أن نتطور بناءً على ما لدينا من مقومات اقتصادية وثقافية” ” لا نريد أن نقدم مشاريع منسوخة من أماكن أخرى، بل نريد أن نضيف شيئًا جديدًا للعالم”.
تتقدّم المملكة نحو رؤية “السعودية 2030″، وهي مشاريع استراتيجية كبرى تروم التنويع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي. بدا الأمير في بدايات ولاية العهد متحمّسا نحو التغيير، وقد رافق ذلك لُبسٌ عند البعض حول قضايا ثابتة في مملكة، ظلّت لعقود دولة دينية بنظام حكم تقليدي، تعتمد بشكل شبه كامل على موارد النفط. مع الوقت، بدأ أولئك البعض يستوعبون أنّ “ابن سلمان” ليس ظاهرة تتلهّف إلى الحكم، بل إن الأمر رؤية عميقة، تفهم حدود التغيير، وتضع له الاستراتيجيات ؛ يقول الأمير في ذات المقابلة ” إن دولتنا قائمة على الإسلام، وعلى الثقافة القبلية، وثقافة المنطقة، وثقافة البلدة، والثقافة العربية، والثقافة السعودية، وعلى معتقداتها، وهذه هي روحنا، وإذا تخلصنا منها، فإن هذا الأمر يعني أن البلد سينهار”.
يؤمن ولي العهد السعودي بأن المملكة، دولة إسلامية، ويصرّح بأن رؤيته تروم “العودة إلى الإسلام النقي”، ويستحضر مسؤولية بلاده في رعاية المشاعر المقدّسة، ويقول ” المسجد الحرام يوجد في السعودية، ولا يمكن لأحد أن يزيله. لذا فإننا بلا أدنى شك لدينا مسؤولية مستمرة إلى الأبد تجاه المسجد الحرام.”
وحين يستحضر الأمير محمد ابن عبد الوهاب، أحد الرموز التاريخية للإشعاع الديني السني في المملكة، فهو يلزمه مرتبة الداعية، ولا يعاديه، ويقول إن ابن عبد الوهاب ليس هو السعودية. من جهة أخرى، يُظهر الأمير قُبولا لوجود المذهب الشيعي في المملكة، ويقول في ذات الصدد “الشيخ محمد بن عبدالوهاب ليس السعودية، فالسعودية لديها المذهب السنّي والشيعي، وفي المذهب السنّي توجد أربعة مذاهب، ولدى الشيعة مذاهب مختلفة كذلك، ويتم تمثيلها في عدد من الهيئات الشرعية، ولا يمكن لشخص الترويج لأحد هذه المذاهب ليجعلها الطريقة الوحيدة لرؤية الدين في السعودية”.
يسعى الأمير أن تبسط الدولة، بمؤسساتها ونظامها الإطار الديني، وأن يكون الإشعاع الديني للسعودية مزيجا بين روح الإسلام النقي، وبين ثقافة الشعب السعودي، وأن يكون هذا الإشعاع بعيدا عن أيّ خلط بين الدين والسياسة، لذلك أظهر ابن سلمان حزما أمام موجات الدعاة السعوديين الذين كانوا يقولون في السياسة أكثر من قولهم في أمور الدين.
ينتقد ابن سلمان بشكل واضح وصريح جماعة الإخوان المسلمين، ويعتبرهم مصدرا لصناعة التطرف. يقول في تصريح له “تلعب جماعة الإخوان المسلمين دورا كبيرا وضخما في خلق كل هذا التطرف، وعندما تتحدث إليهم لا يبدون وكأنهم متطرفون، ولكنهم يأخذونك إلى التطرف، فعلى سبيل المثال: أسامة بن لادن والظواهري كانا من الإخوان المسلمين، وقائد تنظيم داعش كان من الإخوان المسلمين، ولذلك تعد جماعة الإخوان المسلمين وسيلة وعنصرا قويا في صنع التطرف على مدى العقود الماضية.
داخليا، وبرؤية الأمير هذه، بدا واضحا عمل الدولة السعودية الحديثة حيال إعادة هيكلة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتي كانت بمثابة شرطة دينية بصلاحيات واسعة، تضبط الحركة في الشارع العام وفق قواعد الآداب العامة ومنع الاختلاط، وقد أصبحت اليوم بمثابة كيان شكلي، يقدّم قوافل تحسيسية لطيفة. كما ضبط اشتغال الدعاة، وحجر على حديثهم في السياسة، وقد شهدت المملكة في السنوات الأخيرة اعتقالات لعدد من هؤلاء الدعاة.
إنّ سمة الزمن المجتمعي حين يتعلّق بالتغيير هو البطء، لذلك فإنّ ما تمّ تنفيذه على مستوى إعادة تأطير الإشعاع الديني للمملكة، منذ 2016، ليلبس ثوب الدولة السعودية الحديثة يبقى بارزا ودالّا.