“شويخ من أرض مكناس” أغنية بألف حكاية.
““شْوَيّخْ مِن أرْضِ مِكْناس وسْطَ الأسْواق يُغَنِّي.. أشْ عَلَيَّا مِن النَّاس، وأشْ على النَّاسِ منِّي””..
هو مطلع أغنية عربية شهيرة جدا، يتغنى بها الصغير والكبير. أغنية استطاعت أن تخلق لنفسها مكانة عظيمة وسط المستمعين العرب، وتغنى بها كبار مطربي العالم العربي، خليجيين ومغاربة.
ورغم أنّ الأغنية قديمة، فقد استطاعت أن تحتل “الترند” على منصات التواصل، بعد أن تغنى بها المطرب السعودي الكبير عبد المجيد عبد الله في إحدى حفلاته وأسرت كلّ محبيه.
يوحي مطلعها أنها أغنية مغربية لذكر مدينة “مكناس” في مستهلها، وهي أحد أعرق المدن وسط المغرب، وكانت عاصمة للمغرب في عهد المولى إسماعيل، أواخر القرن السابع عشر، وبداية القرن الذي يليه.
“شويخ من أرض مكناس” قصيدة من الزجل الأندلسي، للشاعر أبو الحسن علي بن عبدالله الششتري، كتبها قبل أزيد من سبعة قرون. وقد كان وزيرا وتاجرا أندلسيا من غرناطة، ينتمي إلى أسرة معروفة بالجاه والثراء. وقد كتبها كقصيدة شعبية وعظية، وانتشرت بشكل بارز خلال تلك الفترة.
تدور قصة القصيدة حول الششتري وصداقته مع أحد شيوخ الصوفية “أبي مدين الصوفي ابن سبعين”، وكيف قرر الششتري أن يتبع دروب الصوفية بعد هجرته إلى فاس ثم مكناس في المغرب. وتشمل شروط الدخول في الصوفية التخلي عن الثروة والرفاهية، وهو ما قام به الششتري بتجريد نفسه من ثيابه الفاخرة وارتداء ملابس خشنة وبالية مرقعة. وقد حمل “غرارة” حول عنقه، وهي كيس يحمل أغراض السفر، واحتضن “بندير”، وهو الدف باللهجة المغربية، ليعلن تخليه عن متاعب الحياة الدنيا والتفاني في دعوة الناس للخير والتقوى. وهكذا، دخل الششتري أسواق مكناس، وهو يضرب الدف ويتكئ على عكاز، وينشد كلمات قصيدته الشهيرة “شويخ من أرض مكناس”.
ويقال إن الششتري هو أول من استخدم الزجل في تقديم المعاني الصوفية.
سافر الششتري في أنحاء الأندلس وزار بلاد المغرب، واستقر في مدينة مكناس الواقعة في وسط المغرب، وهي واحدة من المدن التاريخية الأربع في المغرب، حيث تم تأسيسها في القرن العاشر على يد الأمازيغ الذين سموها “مكناس الزيتون”. كما أصبحت عاصمة المغرب في عهد مولاي إسماعيل في عام 1673م.
بعد مرور سبعة قرون تقريبا على قصيدة “شويخ من أرض مكناس”، تحولت هذه القصيدة الشعبية إلى أغنية مع لحن وموسيقى خليجية، بفضل جهود الموسيقار البحريني خالد الشيخ. اكتشف “الشيخ” كلمات القصيدة أثناء بحثه في الزجل الأندلسي.
قام الشيخ بتلحين العديد من قصائد الششتري، ومن بينها أغاني بارزة مثل “كلما كنت بقربي” و”مديح الراح”.
وفي عام 1982، تم إصدار الأغنية بصوت المغني البحريني أحمد الجميري. وبفضل أدائه المميز للأغنية، انتشرت بشكل كبير في الوطن العربي، ووصل صيتها إلى المغرب كذلك، بعد أن كانت شهرتها محصورة في البحرين وبعض دول الخليج فقط.
ومع مرور الوقت، انتشرت الأغنية مرة أخرى بصوت ملحنها خالد الشيخ. قدم الشيخ أداءا مميزا للأغنية في إحدى الجلسات الغنائية، مما أسهم في زيادة رواجها خلال فترة التسعينات.
بهذا الشكل، امتزجت كلمات القصيدة الأندلسية العظيمة لأبو الحسن علي بن عبدالله الششتري مع الموسيقى الخليجية المميزة لخالد الشيخ. وبفضل هذه التناغم الفني، استطاعت الأغنية أن تحقق شهرة واسعة وتصل إلى جمهور واسع في العالم العربي. منذ ذلك الحين وهي تدخل ضمن خانة الأغاني المطلوبة جدا، والتي يتغنى بها في كبرى الحفلات من أكبر فناني العالم العربي، سواء خليجين أو غيرهم، ولعل أشهر من تغنى بها في الفترة الحديثة الفنانة أحلام والمغربيتين أسماء المنور ودنيا بطمة.
لكنها استطاعت أن تصبح “ترندا” عبر “التيكتوك” وتصبح من أشهر الأغاني العربية بالرغم من أن كلماتها ضاربة في القدم، عندما تغنى بها أمير الطرب عبد المجيد عبد الله في احدى حفلاته، وتداول جمهوره الكبير مقطعا من الحفل عبر كل مواقع التواصل الاجتماعي.
إنّ تجاوب الجمهور الكبير مع هذه الأغنية وانتشارها الواسع يعكس الجمال الذي يمكن أن يحدثه الفن، حين تتلاقى فيه معاني الأصالة والحداثة. وقد أصبحت “شويخ من أرض مكناس” رمزا لارتباط الذوق العربي، وتأكيدا لقدرة الفن على تخطي الحدود الزمانية والمكانية.