شهد تاريخ مصر الحديث العديد من الأحداث الهامة والتحديات السياسية والاقتصادية. أحد هذه الأحداث هو العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، والذي أثر بشكل كبير على مختلف جوانب الحياة في البلاد، بما في ذلك الصناعة السينمائية والفنية. لكن حدثت قصة تستحق أن تروى لقصة فيلم، ودوره في إعادة الحيوية والابتهاج للمشهد الفني المصري.
فبعد العدوان الثلاثي على مصر سنة 1956، تأثرت الحالة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد بشكل كبير. انتكس الاقتصاد، وتدهورت الأوضاع الاجتماعية، بما أثّر بشكل مباشر على صناعة السينما والفن في مصر. تراجعت الاستثمارات في الأفلام والمسارح، وشهدت السينما والمسارح نقصا في الجمهور والإيرادات. وكان الناس مشغولين بمتابعة التطورات السياسية والعسكرية بعد العدوان، وبالتالي انحرفت اهتماماتهم عن الفن والترفيه.
في هذا السياق، يظهر فيلم “زينه زينه” كنقطة تحول هامة في صناعة السينما المصرية بعد العدوان. يعكس الفيلم رغبة فريق العمل، بقيادة فريد الأطرش ويوسف شاهين وآخرين، في إعادة الحياة والابتهاج إلى الجمهور المصري من خلال الكوميديا والموسيقى.
تدور أحداث الفيلم حول قصة كوميدية، تجمع فريد الأطرش وشادية في بطولته، كما تعاون في الإخراج فريد ويوسف شاهين. وقد تميز الفيلم بالكوميديا الساخرة والأغاني الجميلة التي قدمها فريد الأطرش. كان للأغنية الشهيرة “زينه زينه” دور كبير في نجاح الفيلم واستمراره في الذاكرة الفنية للمصريين حتى اليوم.
فقد لعب فيلم “زينه زينه” دورا كبيرا في إعادة الحيوية للسينما المصرية بعد فترة الركود التي تعرضت لها. إذ استطاع أن ينجح الفيلم في جذب الجمهور وإحداث ضجة إعلامية إيجابية. قدمت شادية وفريد الأطرش أداءا مميزا، ونال الفيلم إشادة من النقاد والجمهور على حد سواء.
ويمكن نسب هذا النجاح إلى أغنية الفيلم التي لم يكن في الأصل مقررا لها أن تكون في البداية لكن الصدفة كان لها دور كبير في وجودها، ففي أحداث مفاجئة ومثيرة، تسارعت ملامح الفيلم بوثيرة عالية. قام يوسف شاهين، بإرسال نسخة من الفيلم إلى فريد الأطرش باستخدام حاضنة معدنية تزن 24 كيلوغراما. وكان فريد الأطرش قد أصر على أن لا يقل وزن حاضنة أفلامه عن ذلك الرقم.
ومع ذلك، عندما فتح فريد الأطرش الحاضنة، وجد أن وزنها 21 كيلوغراما فقط. وهذا يعني أن الفيلم كان أقصر من المدة التي كان يتوقعها.
انزعج فريد الأطرش من هذا الأمر وطالب شاهين بإضافة “اسكتشا” أو أغنية إلى الفيلم حتى يصل إلى المدة التي كان يتوقعها. وافق شاهين على طلب فريد الأطرش، وأضيفت أغنية إلى الفيلم.
فقرر فريد الأطرش، أن يعمل بنفسه على أغنية لإضافتها إلى الفيلم. طلب من الكاتب محمود فهمي تلك الخدمة، حيث سبق وأن قام فهمي بكتابة كلمات أغنية “نورا نورا” لفريد سابقا. وبناءا على ذلك، قام فهمي بكتابة كلمات أغنية جديدة تحمل اسم “زينه زينه”، بينما قام فريد بتلحينها ببراعة فائقة، باستخدام مقام الصبا الحزين الشجي. وبالرغم من أن الأغنية غالبا ما تستخدم في المناسبات السعيدة، فقد اكتسبت طابعا جديدا ومتميزا عندما قام فريد بإضافة إيقاعات موسيقية شعبية مصرية خفيفة، مما أعطاها لمسة مميزة. ولم يتوقف إبداع فريد عند هذا الحد، بل قرّر أن يتعاون مع الفنانة شادية لتشارك في أداء الأغنية وتضفي عليها المزيد من الرونق والإحساس. وبذلك، خرجت الأغنية للعلن كتعاون فني فريد، حيث تجتمع فيها الأصوات المتناغمة لكل من فريد الأطرش وشادية.
قام شاهين بإنشاء حدث بصري مذهل يتناسب تماما مع الأغنية، وذلك باستخدام البيئة النوبية البدوية ووجوه النوبيين بتقنية بصرية متقدمة. ساعد هذا الاستخدام البارع في دمج الأغنية مع الفيلم وجعلها جزءا لا يتجزأ منه، مما جعل المشاهد يشعر وكأن الأغنية قد كتبت ولحنت وأدرجت في الفيلم منذ البداية، وليس بعد انتهاء التصوير.
تعود أسباب نجاح “زينه زينه” إلى عدة عوامل. أولها يعود للقصة الكوميدية الجذابة التي كان لها دور كبير في جذب الجمهور. ثانيا، يعود الفضل لأداء النجوم الكبار مثل فريد الأطرش وشادية وعبد السلام النابلسي وعبد المنعم إبراهيم. كما أن الإخراج العبقري ليوسف شاهين ساهم في إبراز مهارات النجوم وخلق تناغم بين الكوميديا والموسيقى في الفيلم.
لكن للأغنية بل شك دور مهم أيضا في نجاح الفيلم بطبيعة الحال وبتحقيقه لإيرادات عالية في ذلك الوقت بل حتى الأغنية نفسها استطاعت أن تظل راسخة في أذهان الجمهور حتى يومنا هذا، والأمر بلا شك يعود لكلمات الأغنية الجميلة التي تتحدث عن الجمال والروعة، وتعبر عن الفرح والاحتفال. وتجمع بين الأجواء السعيدة والتفاؤل، وتعكس روح البهجة والمرح التي تملأ قلوب المستمعين. فهي تعد استثنائية في طبيعتها وقدرتها على إضفاء رونق فريد على المشاهد وتعميق تأثيرها.
إضافة إلى الصوت الفريد لفريد الأطرش، الذي يتميز بقدرته على نقل العواطف والمشاعر بأدائه القوي والمؤثر. وباقتراحه الرائع، جاءت الفنانة شادية لتضفي لمسة فنية فريدة على الأغنية، مما أعطاها طابعا فريدا وتناغما رائعا بين الأصوات.
بعد نجاح “زينه زينه”، بدأت صناعة السينما المصرية تستعيد توازنها وتتجاوز تداعيات العدوان الثلاثي. ألهم الفيلم مجموعة من الأعمال الفنية الناجحة التي تنتمي إلى نفس النوعية الكوميدية الغنائية. قدمت هذه الأفلام فرصا للممثلين والفنانين للتألق والابتكار، وعززت الثقة في صناعة السينما المصرية.
يعتبر فيلم “زينه زينه” بأغنيته الخالدة أحد الأعمال السينمائية البارزة التي جاءت كتعبير عن الصمود الفني والقدرة على التجاوب والتأقلم في ظروف صعبة. أثبت الفيلم أن الفن يمكنه أن يكون وسيلة لتعزيز الروح المعنوية واستعادة الابتهاج في ظل التحديات. “زينه زينه” ليس مجرد فيلم، بل يمثل رمزا للإبداع والتفاؤل الذي يمكن أن يتجاوز حدود الزمان والمكان.