يُعتبر اكتناز الذهب من ضمن الثقافة العربية التي تقوم على التحوط بالمعدن الأصفر من الأزمات السارية وكذا المستقبلية، ومع ارتفاع سعر الأونصة عالمياً يتزايد إقبال المواطنين في عدد من الدول العربية على الذهب، فيما تلعب الأزمات الاقتصادية وضعف الثقة بالقطاع المصرفي وهبوط العملات المحلية أمام الدولار دورها في توجيه بوصلة الادخار نحو الذهب.
وفيما يسجل عدد من الأسواق ارتفاعاً ملحوظاً في تجارة الذهب، تشهد أخرى الركود بسبب ضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
لبنان
في لبنان ارتفع الطلب على الذهب بشكل كبيرٍ ولا سيما على الأونصات والليرات وذلك بداعي الادخار وتحويل الأموال إلى معدن يودع في المنزل بعدما فقد المواطنون الثقة بالقطاع المصرفي.
ويحتل لبنان المرتبة 20 في قائمة الدول التي تحوز على احتياطي الذهب بكمية تبلغ نحو 287 طناً أي حوالي 10 ملايين أونصة، قسم محفوظ في خزائن البنك المركزي اللبناني، والآخر تحت حراسة قلعة فورت نوكس الأميركية.
العراق
وفي العراق، تشهد السوق ارتفاعاً في أسعار الذهب بمختلف فئاته، حيث يراوح سعر بيع مثقال الذهب المعروف بـ”الذهب الخليجي”، عيار 21، وهو السائد في السوق المحلية، بين 400 ألف دينار و410 آلاف، ويراوح سعر بيع مثقال الذهب العراقي بين 370 ألفاً و380 ألف دينار. (1320 دينارا للدولار الواحد)، ويساوي المثقال الواحد من الذهب خمس غرامات، ويبلغ سعر أوقية الذهب (201 غرام) 1931 دولاراً.
كما شهدت السوق العراقية عمليات شراء للذهب بهدف الادخار على الرغم من ارتفاع الأسعار، ويعود ذلك لفقدان الثقة بالعملات النقدية من جهة، وضعف الأداء المصرفي الاستثماري للأموال المدخرة من جهة ثانية.
الجزائر
أما الجزائر فلم تعد سوق صرف العملات الموازية وسوق العقارات وحدهما المتأثرتان من ارتفاع التضخم وتهاوي الدينار في الجزائر، إذ إن سوق الذهب التي عاشت في ركود لسنوات، ها هي تنتعش أخيراً بفعل تزايد مخاوف المواطنين من انهيار عملة البلاد ومعها سقوط الاقتصاد المتعثر.
وفاق الإقبال على الذهب خلال الأشهر الماضية تهافت الجزائريين على شراء المعدن النفيس مع بدايات جائحة “كورونا”، ما أدى إلى ارتفاع سعر الغرام الواحد من الذهب “المحطم” (مستعمل) ليصل إلى 7 آلاف دينار (51 دولاراً)، للذهب المحلي من عيار 24 قيراطاً، بعدما تراوح بين 4 آلاف دينار (29 دولاراً)، و5 آلاف دينار (37 دولاراً)، في وقت سابق، كما ارتفعت أسعار الذهب الجديد بحوالي ألفي دينار للغرام الواحد، ليلامس عتبة 10 آلاف دينار للغرام الواحد (74 دولاراً). يأتي ذلك في ظل انتشار الذهب المغشوش.
وكانت العملة الجزائرية قد خسرت سنة 2022 أكثر من 30 بالمائة من قيمتها أمام الدولار، بعدما قفزت من 113 دينارا إلى 139 دينارا للدولار الواحد في نهاية 2020، قبل أن تستقر عند 135 دينارا منذ بداية السنة الحالية، في أكبر انزلاقٍ للدينار الجزائري أمام العملات الأجنبية، ما دفع بالتضخم للتضاعف من 4 بالمائة إلى 12 بالمائة حسب أرقام الحكومة.
تونس
في تونس تكبح السيطرة الرسمية على تداول الذهب مخاطر المضاربة بالمعدن الأصفر الذي يتحوّل إلى واحد من أهم ملاذات الاستثمار الآمن في زمن الأزمات التي يتدافع عليها المدخرون لاكتناز أكبر قدر ممكن من الكميات.
ورغم استمرار الأزمة الاقتصادية في تونس وتنامي مخاطر انهيار الدينار نتيجة ضغوط الديون الخارجية، لا تزال سوق الذهب تعاني من الركود، حيث فقد المعدن الأصفر جاذبيته.
وتعد سيطرة البنك المركزي التونسي على تداول الذهب من أهم أسباب كبح المضاربة في القطاع، حيث تتم عملية توريد الذهب الخالص أساسا من قبل المركزي التونسي وفقا لأحكام القانون 17 المتعلق بالمعادن النفيسة، كما يتولى المركزي تزويد السوق بحصص محددة تسند للصناعيين وفق معايير مضبوطة، وهو ما يحد من مخاطر المضاربة.
المغرب
يأمل تجار الحلي والمجوهرات الذهبية في المغرب بانتعاش نشاطهم في الصيف الذي يشهد إحياء حفلات الأعراس وعودة المغتربين، وذلك في سياق متسم بركود ناجم عن ارتفاع الأسعار وحرص الأسر على توجيه إنفاقها لتأمين الحاجيات الأساسية والوفاء بديونها.
ويشتكي الصاغة من المنافسة التي يتعرضون لها عبر المجوهرات المستوردة من تركيا وإيطاليا والهند، والتي تتميز بأسعار منخفضة مقارنة بما يوفره الصانع المحلي، الذي يعاني، حسب الصاغة، من انخفاض الطلب المحلي في سياق تراجع القدرة الشرائية للأسر.
سعر الذهب في السوق المغربية قد يكون مرتفعا مقارنة بالسوق الدولية، حيث يصل الفرق في بعض الأحيان إلى 10 في المائة، كي يبلغ 65 دولاراً للغرام، بعد إضافة النقوش والأحجار الكريمة.
والملاحظ أن الذهب الذي عدته الأسر المغربية “زينة وخزينة” على مدى سنوات، لم يعد كذلك، بفعل الارتفاعات المتتالية في الأسعار في الأعوام الأخيرة، علما أنه كان في حدود عشرة دولارات للغرام قبل أن يشهد قفزات قوية في الأعوام الأخيرة.