مضت ثلاثة أسابيع على انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، دون أن تبدي موسكو أي بادرة إيجابية لإعادة إحيائها من جديد. وبينما تتجه الأنظار إلى الزيارة التي سيجريها فلاديمير بوتين إلى تركيا، تسود تكهنات بشأن ما إذا كان نظيره التركي رجب طيب إردوغان قادرًا على تحقيق أي اختراق بناءً على “دور الوسيط” الذي يلعبه.
ومن المقرر أن يصل بوتين إلى أنقرة خلال أغسطس الحالي، وفقًا لتصريحات إردوغان، وتوقعت صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة، الاثنين، أن تتم الزيارة في الأسبوع الأخير من الشهر الحالي.
ومع ذلك، أشار “الكرملين” في بيان، الأسبوع الماضي، إلى أن “موعد ومكان الاجتماع بين الرئيسين الروسي والتركي قيد الدراسة الآن، وسيتم الاتفاق عليهما عبر القنوات الدبلوماسية”. وأضاف الناطق باسمه، ديمتري بيسكوف، أن “مكان الاجتماع قد لا يكون بالضرورة في تركيا، لكن إردوغان يدعو زميله الروسي إلى بلاده”، وفقًا لما نقلته وكالة “ريا نوفوستي”.
وكانت روسيا انسحبت من اتفاقية الحبوب في السابع عشر من يوليو الماضي، بعدما انخرطت فيها في نفس الشهر من العام الماضي، بوساطة تركيا والأمم المتحدة. أتاحت الاتفاقية شحن نحو 33 مليون طن من الحبوب الأوكرانية، مما أدى إلى تراجع أسعار الغذاء العالمية بنحو 20 في المئة وفقًا لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة.
لكن وفي أعقاب الانسحاب الروسي، سادت الكثير من المخاوف والتحذيرات الأممية، حيث تجدد قلق التجار إزاء تضرر الإمدادات العالمية بفقدان السوق لأوكرانيا، وهي أحد أكبر مصدري المواد الغذائية في العالم. وعندما توسّطت تركيا والأمم المتحدة لإبرام اتفاقية الحبوب، قالت الأخيرة لروسيا إن ذلك سيساعدها في تعزيز صادراتها من الحبوب والأسمدة.
ورغم أن بلدانا غربية لم تفرض عقوبات على الصادرات الزراعية الروسية، قالت موسكو إن قيوداً أكثر شمولاً، مفروضة عليها بالفعل، تعيق شركات الشحن والبنوك وشركات التأمين الدولية من التعامل مع المنتجات الروسية. وطالبت موسكو بعودة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام سويفت العالمي (الذي حجب كل البنوك الروسية في يونيو 2022).
وفي حين اقترحت الأمم المتحدة أن تؤسس روسيا فرعاً للبنك يتم السماح فيه باستخدام نظام “سويفت”، رفضت روسيا ذلك، بالإضافة إلى مقترحات أخرى مثل مبادلة مدفوعات بمنتجات غذائية ومخصبات عبر بنك “جي بي مورغان”، أو عبر البنك الأفريقي للاستيراد والتصدير.
وتشترط روسيا تلبية كل شروطها قبل إعادة توقيع اتفاقية الحبوب، وأبلغ بوتين نظيره إردوغان مؤخرًا أنه “في حالة عدم إحراز أي تقدم في تنفيذ المطالب الروسية في اتفاق الحبوب، فإنه لن يكون هناك تمديد إضافي”. وأضاف أن “روسيا مستعدة للعودة إلى الاتفاق بمجرد وفاء الغرب فعليًا بجميع الالتزامات تجاه روسيا” المدرجة في الاتفاق.
وفي مؤتمر صحفي الاثنين، أعلن وزير الخارجية التركي، حقان فيدان، أن بلاده “ستواصل العمل من أجل إنهاء الحرب الأوكرانية، وكذلك الأمر بالنسبة لجهود حل أزمة الحبوب التي تؤثر على العالم بأسره”. وإلى جانب التعنت الروسي بشأن عدم العودة إلى اتفاقية الحبوب إلا من خلال تطبيق الشروط، تفرض سلسلة من “ظروف الحرب” نفسها، وتزيد من تعقيد عملية الإحياء في المرحلة المقبلة.
ومنذ السابع عشر من يوليو (تاريخ الانسحاب الروسي من الاتفاقية)، شنت روسيا سلسلة من الغارات على موانئ أوكرانية، مما أدى إلى إفساد حوالي 60 ألف طن من الحبوب. كما أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها تعتبر كل سفن البضائع في البحر الأسود المتجهة إلى أوكرانيا أهدافًا عسكرية محتملة.
وفي المقابل، صعّدت كييف من هجماتها المضادة، حيث ضربت طائرة من دون طيار محملة بالمتفجرات ناقلة نفط روسية قبالة الساحل الشرقي لشبه جزيرة القرم، في ساعة مبكرة من صباح السبت. وجاءت هذه الحادثة بعد ضربة مشابهة على سفينة تابعة لروسيا في البحر خلال يومين، مما يشير لتحول “البحر الأسود” لمنطقة حرب، حسب تقرير لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وفي التاسع عشر من يوليو الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من أن انسحاب روسيا من الاتفاق الذي يسمح بالصادرات الأوكرانية عبر البحر الأسود يفاقم أزمة الأمن الغذائي العالمي وينذر بارتفاع أسعار الغذاء، خاصةً بالنسبة للبلدان المنخفضة الدخل. وبحسب أرقام أوردتها وكالة “الأناضول”، شحنت هذه الكمية من الحبوب بوساطة أكثر من ألف سفينة عبر الممر، منذ تحرك أول سفينة في الأول من أغسطس 2022 حتى انسحاب روسيا من الاتفاق. وجرى نقل 40 بالمئة من الحبوب المشحونة عبر الممر إلى أوروبا، و30 بالمئة نحو آسيا، و13 بالمئة إلى تركيا، و12 بالمئة إلى أفريقيا، و5 بالمئة للشرق الأوسط.