يعود كوفيد-19 إلى الواجهة في عدد من الدول، أخيراً، في ذروة فصل الصيف، وذلك وسط تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات به، علماً أنّه لم يبلغ مستويات عالية، كما كانت الحال خلال موجات سابقة.
وبعدما أفادت منظمة الصحة العالمية بأن المتغير الفرعي الجديد “إي جي.5” من متحوّر أوميكرون، أكثر متحورات فيروس كورونا الجديد (سارس-كوف-2) انتشاراً، يمثل “خطرا منخفضا” على الصحة العامة على الصعيد العالمي “بناء على الأدلة المتوفرة”، علق خبراء على الانتشار المستجد للوباء في أكثر من بقعة من العالم، لا سيما التفشي الذي يسجله “إي جي.5″، خصوصا في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا.
بالنسبة إلى عالمة الرياضيات الألمانية- البريطانية كريستينا بايجل، وهي أستاذة بحوث العمليات في كلية لندن الجامعية (يو سي إل)، فإن المتغير “إي جي.5″ الملقب بـ”إيريس” يتزايد في الانتشار. وأضافت أنه أظهر كذلك قدرة على التهرب من جهاز المناعة، الأمر الذي يسمح له في التغلب على المتغيرات الفرعية والمتحورات الأخرى. لكنها لفتت إلى أن أي دليل لم يتوفر حول تسببه في مرض أكثر خطورة.
يُذكر أن بريطانيا هي من بين البلدان الأبرز التي رصد فيها انتشار “إي جي.5” بسرعة في الآونة الأخيرة.
من جهته، لفت البروفسور ستيفن غريفين، المتخصص في علم الفيروسات في جامعة “ليدز” البريطانية، إلى أن انتشار المتغير الفرعي “إي جي.5” كان يزداد ببطء نسبيا في المملكة المتحدة، إلا أن العدوى والقدرة على التهرب من الأجسام المضادة تعني إمكانية تزايد عدد الحالات بسرعة، خصوصا مع موسم العودة إلى المدرسة.
وفي الإطار نفسه، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عن رئيس قسم الأمراض المعدية في كلية الطب بجامعة “بوفالو” الأميركية، توماس روسو، أن الأعراض الناجمة عن الإصابة بـ”إي جي.5″ تبدو مماثلة لتلك التي تسبّبها متغيّرات فرعية ومتحورات أخرى، وبالتالي لا مخاوف كبيرة نتيجة ذلك.
وشرح روسو أن الأعراض الشائعة بين المصابين بالمتغير الفرعي الجديد شملت سيلان الأنف والصداع والوهن والتهاب الحلق والعطس. وأضاف أن الأشخاص الأكبر سنا أو الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة أو الذين يعانون من حالات صحية أخرى هم أكثر عرضة لتأثيرات أكثر خطورة للعدوى
وتأتي “هيمنة” المتغير الفرعي الجديد “إي جي.5” من متحور أوميكرون على شكل انتشار صيفي لكوفيد-19 في الولايات المتحدة الأميركية، الأمر الذي يدفع الأطباء والخبراء في مجال الصحة العامة إلى التعبير عن بعض المخاوف.
وكان المركز الأميركي لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي) قد أبلغ عن زيادة بنسبة 12.5 في المائة في عمليات الاستشفاء الخاصة بتلقي علاج كوفيد-19 في الأسبوع المنتهي في 29 يوليو الماضي، مع أكثر من تسعة آلاف حالة دخول جديدة إلى المستشفى.
وتشير أحدث البيانات الصادرة عن إدارة الصحة في ولاية نيويورك إلى أن الإصابات بكوفيد-19 ارتفعت بنسبة 55 في المائة، وأنّ حالات الاستشفاء ارتفعت بنسبة 22 في المائة بالولاية.
ونيويورك ليست الولاية الوحيدة التي تسجّل ارتفاعاً في عدد الإصابات. فبحسب إدارة الصحة في ولاية فلوريدا، أبلغ عن أكثر من 15 ألف إصابة جديدة في الأسبوع المنتهي في الثالث من أغسطس/ آب الجاري في الولاية، أي بزيادة قدرها 21 في المائة مقارنة بالأسبوع الذي سبق.
كذلك، ذكرت شركة “والغرينز”، التي تدير أكبر سلسلة صيدليات في الولايات المتحدة الأميركية، أنّ 48.3 في المائة من كلّ اختبارات كورونا التي أجريت في مراكزها في كلّ أنحاء كاليفورنيا جاءت موجبة في ما يخصّ الإصابة بكوفيد-19، وهو ما يُعَدّ النسبة الأعلى منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، علماً أنّه يقترب من ضعف نسبة 27 في المائة المسجّلة في يونيو/ حزيران الماضي.
وعلى الرغم من ارتفاع حالات الاستشفاء على خلفية الإصابة بكوفيد-19 خلال فصل الصيف في الولايات المتحدة الأميركية، فقد استمرت إدارة الرئيس جو بايدن في التعبير عن تفاؤلها بشأن التغلب على الوباء. ومنذ يونيو الماضي، يعمل مسؤولو الصحة وشركات تصنيع الأدوية على تطوير لقاحات تغطي كذلك المتغير الفرعي “إي جي.5” من متحور أوميكرون.
بدورها، أكدت بيانات جمعتها وكالة “بلومبرغ” الأميركية أن عدد الأشخاص الذين أُدخلوا إلى المستشفى لتلقي علاجا بسبب إصابتهم بكوفيد-19 آخذ في الارتفاع للمرّة الأولى هذا العام في الولايات المتحدة الأميركية.
وبحسب الوكالة، فإن ارتفاع درجات الحرارة الكبير دفع في اتجاه زيادة التجمعات، الأمر الذي أدى إلى انتشار الفيروس بسهولة.
لكن خبراء معنيين يرون أنه من غير المرجح أن تشهد الولايات المتحدة الأميركية عمليات إغلاق شبيهة بتلك التي سجلت في الفترة الأولى من انتشار الوباء، ويعيدون ذلك إلى زيادة نسب التحصين، وبالتالي تمتع السكان بحماية واسعة من الأشكال الشديدة من المرض. كذلك، ثمة عقاقير من شأنها التخفيف من خطر دخول المستشفى والوفاة بسبب الإصابة بكوفيد-19، في حال جرى تناولها مبكراً.
إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا، تنشغل فرنسا أخيراً بانتشار كوفيد-19 في خضم الصيف حيث سجلت خدمة الطوارئ الطبية “إس أو إس ميدسان”تزايدا في الفحوص الطبية للاشتباه في الإصابة بكوفيد-19، بين كل الفئات العمرية”، مبينة أن عددها تخطى 1500 فحص في بداية أغسطس الجاري، الأمر الذي يبين زيادة بنسبة 84 في المائة في أسبوع واحد.
كذلك الأمر بالنسبة إلى دول أخرى، من بينها الهند واليابان، مع تسجيل ارتفاع في عدد الإصابات يستدعي يقظة.
في سياق متصل، أفادت منظمة الصحة العالمية في بياناتها الأخيرة بأن عدد الإصابات التي رصدت على مستوى العالم ارتفع بنسبة 80 في المائة خلال شهر واحد، مع 1.5 مليون إصابة إضافية من العاشر من يوليو الماضي حتى السادس من أغسطس الجاري.
وكان المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، قد صرح، في مؤتمر صحافي عقده أول من أمس الأربعاء، بأن المنظمة لم تعد تصنف كوفيد-19 “حالة طوارئ صحية عالمية تثير قلقاً” منذ أوائل مايو/ أيار الماضي، غير أن “الفيروس (سارس-كوف-2) مستمر في الانتشار في كل البلدان، ويستمر بالقتل والتبدل”.
ويعد المتغير الفرعي “إي جي.5” من متحور أوميكرون، الذي يطلق علماء عليه لقب “إيريس” (Eris) الأكثر رصدا حالياً، وبالتالي قد يكون وراء عودة انتشار الوباء. كذلك، يرى خبراء أن التجمعات الصيفية، وتراجع مستوى المناعة، عاملان يؤديان دورا في عودة الوباء.
ويبدو المتغير الفرعي “إي جي.5” من متحور أوميكرون المرتبط بمتغير “إكس بي بي” (مؤتلف “بي إيه.2 .10 .1″ و”بي إيه.2 .75” يندرج تحت متحوّر “أوميكرون”) أكثر قابلية للانتشار من غيره، ربّما بسبب تأثير طفرات جينية جديدة، وقد يكون بالتالي أكثر قدرة على تخطّي الدفاعات المناعية.
وأوضحت منظمة الصحة العالمية أن أكثر من 17 في المائة من الإصابات بكوفيد-19 التي رصدت في العالم في منتصف يوليو الماضي، تعود إلى المتغير الفرعي “إي جي.5”.
تقدر منظمة الصحة العالمية أن “الأدلة المتاحة لا تشير إلى أن المتغير الفرعي (إي جي.5) يمثل مخاطر إضافية على الصحة العامة مقارنة بمتغيرات فرعية أخرى منتشرة من متحور أوميكرون”. لكن غيبريسوس ذكر أن “خطر ظهور متحور أكثر خطورة يظل قائما، الأمر الذي سوف يؤدي إلى زيادة مفاجئة في الإصابات والوفيات”.
ولمحاكاة متحورات كورونا بطريقة أفضل، تعد مجموعات الصيدلة “فايزر/بايونتيك” و”موديرنا” و”نوفافاكس” لقاحات تستهدف المتغير “إكس بي بي” (مؤتلف “بي إيه.2 .10 .1″ و”بي إيه.2 .75” يندرج تحت متحوّر أوميكرون) بناء على توصية منظمة الصحة العالمية التي أطلقتها في الربيع الماضي. وتعتزم بلدان عديدة، من بينها فرنسا، تنفيذ حملات تحصين تركز على الفئات الأكثر ضعفا في الخريف، إلى جانب حملات ضد الإنفلونزا.