بناء على مآلات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر، والمفاوضات العسيرة التي تهدف إلى إنهاء دائرة الاحتقان في غزة، يظهر واضحا الدور المحوري الذي تلعبه قطر، وهي تقدّم نفسها لاعبا أساسيا في المفاوضات بين إسرائيل وحماس.
ترتبط الدوحة بعلاقات تاريخية مع حركة حماس، ودعمت لسنوات تمكين حكمها على القطاع. بالمقابل، هي كذلك مدركة لضرورة الحفاظ على علاقاتها ومصالحها مع الغرب، الذي يرى في حماس منظمة إرهابية. يتضح ذلك، خلال الفترة الأخيرة، حيث تعالت أصوات من مسؤولين أمريكيين تطالب بمحاسبة قطر على دعمها لحماس، ليخرج مسؤولون قطريون ويبرروا ذلك بأنه من البداية جاء بناء على طلب أميركي.
من جهته، قاد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حملة ممنهجة ضدّ القطريين وسياستها الداعمة لحماس. وهم “القطريون” الذين ساندوه طويلا، في صفقة سياسية، ترتكز على إبقاء حكم حماس على غزة بتمويل قطري لامحدود.. إلى أن جاء السابع من أكتوبر.
هكذا، تأتي المعلومات الحديثة من شخصيات أمنية وسياسية قطرية، تفيد أن الدوحة قررت أن تراجع علاقاتها مع حماس بعد انتهاء الحرب على قطاع غزة.
فيبدو أن الرؤى التي هندست لها الدوحة طيلة سنوات بدأت تتغير، بما يدفع الإمارة الخليجية إلى التزحزح عن سياسة، تواثرت منذ عهد حمد بن خليفة، تتبنى دعما كاملا لتيارات الإسلام السياسي، وفرضها بديلا للأنظمة “الديكتاتورية” الحاكمة في الدول العربية. كما يبدو أن المراجعة القطرية ليست وليدة اللحظة، فقبل سنتين، وضمن حوار سابق لرئيس الوزراء القطري سابق حمد بن جاسم مع القبس الكويتية، شبه تجربة الإخوان في مصر أنها تصلح لإدارة دكان، وليس إدارة دولة.
وانتظارا لليوم الثاني من الحرب، والذي تسعى قطر أن تكون شريكا أساسيا فيه، ترسيخا لدورها الرئيسي في المنطقة، سيتحتم على القطريين الاتكال على قدراتهم في السياسة، وليس على إمكانياتهم المالية اللامحدودة. فالمال القطري قد يبني غزة من جديد، لكنّه إطلاقا لن يعيد التاريخ إلى ما قبل السابع من أكتوبر.